الوجيز في أحكام احتلام المرأة

درج كثير من الناس على منع الاعتداد بمذهب القائلين باحتلام المرأة لعدم إمكان ذلك، ونصره بعض أهل العلم قديما.

فعن جرير عن مغيرة قال: كان إبراهيم ـ النخعي ـ ينكر احتلام النساء. رواه ابن أبي شيبة (1/81) وصححه الحافظ في الفتح (1/388).

وعند ابن المنذر في الأوسط (2/83) من قوله: إنما الحيض على النساء والحلم على الرجال.

وهذا مخالف للحس والشرع، فقد فشا في النساء من غير نكير ودلت عليه علاماته. وقد جاء الخبر بذلك:

عن أم سلمة قالت:جاءت
أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا
يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله
عليه وسلم: "إذا رأت الماء". فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت: يا رسول الله
وتحتلم المرأة؟ قال: "نعم تربت يمينك فيم يشبهها ولدها". رواه البخاري
ومسلم.

فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن لها ماء فمن أين يأتي شبه الولد بها.

قال
القرافي في الذخيرة (1/294): دل هذا الحديث على أن المرأة تنزل المني وعلى
ذلك دل التشريح في الطب وأن للمرأة أنثيين ملتصقتين في مجرى الوطء يتدفق
منها المني.

وقد نقل الإجماع فيه، قال ابن عبد البر في الاستذكار(3/123): والعلماء مجمعون على ذلك فيمن وجد الماء الدافق من الرجال والنساء.

إذا علم هذا فالمرأة المحتلمة لها صورتان:

الصورة الأولى:

أن تتذكر الاحتلام:

فإن وجدت بلة اغتسلت فذلك منه، وإلا فلا.

لحديث أم سلمة وفيه "إذا رأت الماء". فلا أثر لما رأته في المنام والعبرة بالوجود والرؤية.

قال
ابن المنذر في الأوسط (2/83): أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن
الرجل إذا رأى في نومه أنه احتلم أو جامع، ولم يجد بللا أنه لا غسل عليه.

الصورة الثانية:

أن لا تتذكر الاحتلام:

فإن لم تجد بلة فالأمر واضح ليس عليها شيء.

وفي
الحديث الصحيح بشواهده ومعناه صحيح: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما. قال: يغتسل. وعن الرجل يرى أنه قد
احتلم ولا يجد البلل. قال: لا غسل عليه. رواه الترمذي

وإن وجدت بلة فالأمر يحتاج إلى تفصيل:

إن كان الماء كثيرا فهو المني فيجب الغسل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فضخت الماء فاغتسل". رواه أبو داود بسند صحيح

و الفضخ: الدفق قاله ابن الأثير في النهاية(2/875)

وإن كان قليلا لا يبلغ الدفق، فالغالب أنه مذي خاصة مع وجود الرائحة التي تميزه عن غيره فبها يزول الشك.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة فإذا لم تكن حاذفا فلا تغتسل". رواه أحمد بسند حسن.

الحذف الرمي قاله ابن الأثير(1/356)

والرمي لا يكون إلا بدفق وشهوة، بخلاف المذي.

والمسألة المهمة التي يقع السؤال عنها كثيرا:

من وجدت بللا ولم تدر متى كان:

فهنا ضابط مهم جدا معتبر هو: الإحالة على آخر نوم، لأنه محل الخروج من غير شعور.

وصفة ذلك كالتالي:

إن كان رطبا فهو قريب العهد، فيحيل على النوم القريب، وإن كان نوم النهار.

وإن كان يابسا بحيث لا يمكن أن يكون من نوم النهار أحال على نوم الليل لأنه طويل يمكن أن يجف فيه الماء.

وعلى كل فهذه الصورة الأخيرة تؤثر فيها بعض قرائن الأحوال، وهذا بغض النظر عن صفة هذا البلل.

فهناك علامات تدل على التمييز بين المني والمذي لمعرفة ما يجب على المرأة.

ماء المرأة يخالف ماء الرجل باعتبارين:

الأول: الصفة، فماء المرأة رقيق أصفر.

أخرج مسلم من حديث أم سليم رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر".

الثاني:
المحل، فقد لا يخرج ماء المرأة، ويبقى داخل الرحم فعادته أن يندفع إلى
الداخل ليكون منه الولد. بخلاف ماء الرجل وهذا من التناسب، لكن قد يتأخر
خروجه، وهنا مبحث يتكلم عنه الفقهاء ليس هذا محل النظر فيه.

فالاعتبار الأول هو المقصود ويزاد عليه مما له علاقة بالغرض:

الرائحة: فهو كطلع النخل، أوالعجين إن كان يابسا، وأما إن كان رطبا فكرائحة البيض.

روى ابن أبي شيبة (1/78): عن قتادة: كيف يعلم ذلك؟ قال: يشمه.

فتعتمد المرأة في معرفة علامات الماء إذا لم تدر متى كان على شيئين:

الأول: صفة الماء.

الثاني: الشم.

وأما المذي فدونه قلة ورائحة، وهذا فرق مهم.

وقد تعترض هذه الصفات عوارض المرض ونحو ذلك، فتتغير، والعبرة بالغالب.

والله أجل وأعلم.

الشيخ سعيد البحراوي

تسلمي طالبه علي المعلومات
جزاك الله الجنه

جوزيتِ خيرا اختي طالبة