جدل في أوساط الفقهاء حول إمكانية صدور قرآن يكتب بطريقة برايل، ويأخذ نفس أحكام المصحف الشريف، من حيث الأحكام وطرق التلاوة، لمساعدة المكفوفين على تلاوة القرآن الكريم.
يأتي هذا الجدل في الوقت الذي أبدت فيه هيئة كبار علماء المسلمين بالمملكة السعودية تحفظها على اعتبار مصحف برايل مصحفا قرآنيًّا، حيث رفضت إعطاءه أحكام المصحف المكتوب بالرسم العثماني.
وقد نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية بتاريخ الجمعة 28-12-2007 عن الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء قوله: "لقد عرض علينا موضوع كتابة المصحف بطريقة برايل، غير أننا توقفنا عن إصدار قرار حوله".
وأشار إلى اختلاف أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء حول إعطاء مصحف برايل أحكام المصحف القرآني، مؤكدًا رفض مجلس الهيئة اعتباره مصحفا.
وكانت مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم قد أنهت طباعة مصحف بطريقة برايل لاستخدامات المكفوفين، وسيتم توزيع نسخ مجانًا على المكفوفين داخل المملكة وخارجها.. وهو ما يطرح تساؤلا حول إمكانية اعتبار المصحف بطريقة برايل قرآنا أم لا؟
طريقة شارحة
بداية يرى د. محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية أنه لا يجوز اعتباره مصحفًا، وإنما يمكن اعتباره طريقة شارحة للمصحف أو كتابًا للمكفوفين على غرار القرآن الكريم؛ لأنه لا بد من سد الذرائع في هذه المسألة، بحيث يمكن أن يفتح بابًا للطعن أو التحريف والتغيير لبعض أحرف أو رسم القرآن الكريم.
وقال: "ينبغي أن يكون هذا المصحف بين أيدينا للتحقق من مدى مطابقته للرسم العثماني؛ لأن هذا المصحف الجديد على طريقة برايل قد لا يتطابق من حيث النظرة الأولى مع القرآن الكريم بالرسم العثماني الذي كتبه الْحَفَظَة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسهم زيد بن ثابت عند جمع القرآن.
وشدد على أن الرسم العثماني هو أحد أوجه إعجاز القرآن الكريم، التي يختص بها القرآن عن غيره من الكتب ومن ثم لا يمكن اعتبار مصحف برايل مصحفا شريفا إذا لم يتطابق مع الرسم العثماني.
ويلفت إلى أنه بناءً على ذلك لا يجوز التفريط في كتابة القرآن الكريم بالرسم العثماني لصدوره عن الصحابة، خاصة أن الحفظ لا يقتضي الحفظ المادي وإنما الحفظ من ناحية الرسم ومن كل النواحي.
ويشير الجندي إلى جانب آخر وهو أنه لو تم السماح بكتابة القرآن الكريم بطريقة معينة قد يؤدي ذلك إلى كتابته بطرق أخرى وبالتالي تحريفه، ولذلك يجب ألا نفتح بابا لاعتبار المصحف بطريقة برايل قرآنا.
واختتم الجندي حديثه بقوله: "نعم هناك أمور قد تكون مشروعة ونافعة من طباعة مثل هذا الكتاب، لكن إعطاءه قيمة المصحف أمر خطير قد يفتح أبوابا جمة للإفساد في القرآن، خاصة وأن المتربصين كثيرون، وبالتالي ينبغي ألا يعتبر هذا الكتاب قرآنا، وإنما وسيلة مساعدة لتلاوة القرآن الكريم".
ويتفق مع الرأي السابق يرى د. أحمد طه ريان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الزهر معللا فتواه بأن طريقة برايل ليس فيها حروف قرآنية، وإنما هي خطوط بارزة يصطلح على تحديد المراد منها، يعرفها المكفوفون، وبناء عليه فلا يكون مصحفًا، ولا يأخذ حرمة المصحف، ومع ذلك فلا مانع شرعا من كتابة مصحف بطريقة برايل دون إعطائه حكم القرآن.
أما د. سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة السابق بجامعة الإمام بالمملكة العربية السعودية فيرى أن المصحف المكتوب بطريقة برايل يأخذ أحكام التفسير لكنه ليس قرآنا، حيث إن الكتابة بطريقة برايل أشبه باللغة المترجمة.
ويضيف أن المصحف بطريقة برايل سيكون مكتوبا بطريقة تختص بالمكفوفين، فلا يكتب القرآن باللغة العربية؛ وبالتالي تعد الطريقة المكتوب بها المصحف طريقة تفسيرية، ولا يسمى قرآنا، ولا يأخذ أحكام القرآن من ناحية الطهارة، وإنما يسمى تفسيرا للقرآن بهذه اللغة.
وأضاف أن القراءة لهذا المصحف وإن كانت لنص القرآن، إلا أن الكتابة لن تكون بالحروف العربية، مع أن القرآن يلزم في أحكامه أن يكون مكتوبًا باللغة العربية، وعليه فالحكم يأتي من ناحية الكتابة وليس من ناحية القراءة.
فكرة جيدة
وخلافاً للرأي السابق يذهب د. محمد الراوي أستاذ علوم القرآن ومقرر لجنة القرآن بمجمع البحوث الإسلامية إلى أن إصدار مصحف بطريقة برايل للمكفوفين فكرة جيدة، بحيث لا تحرم فئة من التعامل مع القرآن الكريم.
وأضاف أن المصحف سيكون في قلب حامله؛ لأنه ليس أحرفًا، حيث إن الحروف تنتقل لقلب السامع أو القارئ بالطريقة التي يقرؤها، وعليه يمكن اعتبار المسألة كلها تيسيرا لأمر القرآن للمكفوفين.
وشدد على أنه لا علاقة في المسألة بالكتابة المرئية أو الملموسة في المصحف الشريف، ضاربا مثالا على ذلك بالمصحف المعلم الذي يتم تسجيله عبر أشرطة كاسيت، " فهنا يكون المصحف مسموعًا، ولم يدخل أحد في تحديد الفرق بينه وبين المصحف المقروء، إلا أن الاختلاف هنا أن المصحف بطريقة برايل سيكون مع فئة محددة وليس مع كل الناس"، مؤكدا على أن المصلحة المترتبة على هذا الأمر كبيرة.
ويرى د. عبد الستار فتح الله أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر أن تحديد حكم المصحف بطريقة برايل يتحدد حسب كيفية أداء القراءة منه، فإذا كان المصحف يمكن الكفيف من نطق القرآن نطقا صحيحا فهنا يعد المصحف قرآنا يأخذ جميع أحكامه، أما إذا لم يتمكن الكفيف عند وضع أصبعه على الحروف المكتوبة من القراءة الصحيحة فلا يعد قرآنا.
ويضيف أنه بناءً على هذا فإن فالعبرة في تحديد حكم مصحف برايل بتدقيق الكلمات، وصحة النطق منه، فإذا كانت الحروف تؤدي ألفاظ القرآن بالضبط عند النطق بها كان قرآنا وإلا عد كتابا دالا.
وعن اعتراض البعض في اعتبار مصحف برايل قرآنا لكونه غير ملتزما بالرسم العثماني لفت فتح الله إلى أن "القرآن قد لا يكتب بالرسم العثماني ويظل قرآنا، وإن كان الصحيح من كلام العلماء أن نلتزم الرسم العثماني، لكن الأمر مختلف مع الكفيف حيث إن حالته خاصة".
وتتفق معه د. صالحة دخيل أستاذ أصول الفقه مشيرة إلى أنه لا توجد حرمة في إيجاد مصحف يحتوي على آيات القرآن الكريم بطريقة برايل، على أساس أنه يساعد المكفوفين على التواصل مع كتاب الله تعالى.
<HR style="MARGIN-TOP: 7px" align=right width=200 color=#ff0000 SIZE=1>
موقع اسلام اونلاين