السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في السطور القليلة القادمة سنعيش مع الآية (59) من سورة الأنعام ، حيث نورد تفسيرها كما ورد في بعض كتب التفسير ثم نشرح الآية بالمفاهيم والمعطيات العلمية الحديثة في علم النبات لنرى عظمة الله سبحانه وتعالى وما يأخذ بألباب العلماء وما تعجز البشرية عن الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعضهم ظهيراً .
قال تعالى : إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ {95} فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
قال المفسرون في معاني الكلمات :
فالق الحب : شاقه عن النبات أو خالقه ، أي أن الله سبحانه وتعالى فالق الحب والنوى أي يشقه في الثرى فتنبت منه الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب والثمار على إختلاف أولوانها وأشكالها من النوى .
يخرج الحي من الميت : أي يخرج النبات الحي من النوى ، أو يخرج النبات الغض الطري من الحب اليابس .
ذلكم الله : أي فاعل هذا هو الله وحده لا شرك له .
فأنى تؤفكون : أي فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره .
في تفسير هذه الآية نقول وبالله التوفيق :
هذه الآية من آيات الإعجاز الإلهي في الخق ، فالآية على إيجازها تضمنت العديد من الحقائق العلمية واللمحات الإعجازية التي لم يسبق إليها أحد قبل القرآن الكريم .
1. فالآية قد فرقت بين الحب والنوى، والمعلوم علمياً أن الحب غير النوى ، فالحبة (Grain) (ثمرة كاملة ، مثل : حبوب، الذرة والحنطة والشعير أما النوى فهو من البذور (seeds) وهي جزء من الثمرة ، ومن أمثلتها نوى البلح والنبق والخوخ والعنب وبذور الفول والفاصوليا وهذا التفريق بين الحب والنوى من الإعجاز العلمي النباتي في القرآن الكريم والذي سبق به القرآن التقسيم الحديث للبذور والثمار .
2. الإعجاز الثاني في الآية أنها ربطت بين عملية انفلاق الحب والنوى وإخراج الحي من الميت والميت من الحي وهنا تتجلى عظمة القرآن الكريم وإعجازه فالمواد الغذائية الميتة والميت من الحي . وهنا تتجلى عظمة القرآن الكريم وإعجازه فالمواد الغذائية الميتة المدخرة في الحبوب والبذور (كربوهيدرات ـ دهن ـ بروتين ـ معادن ـ أملاح ـ ماء ) كلها مواد ميتة ولكنها عندما تعبر أغشية الجنين تدب فيها الحياة وتتحول إلى ستيوبلازم حي وخلايا جذيرة ورويشه أحياء غير أموات ، فمن يستطيع تحويل المواد الميتة إلى مواد حية ؟ ذلكم الله سبحانه وتعالى .
معجزة انفلاق الحب والنوى :
المعلوم علمياً أن البذرة جنيني حي صغير في حالة سكون أو كمون وأن جميع العلميات الحيوية من تنفس وتغذية تحدث فهي في أقل درجة نشاط بحيث يبقى الجنين حي أطول فترة ممكنة في حدود الظروف البيئية الخارجية والداخلية للبذرة .
ويتكون هذا الجنين من نفس الأعضاء الخضرية الأساسية التي يتكون منها النبات الكبير ، حيث يتكون من جذير (تصغير جذر ) ورويشة (تصغير ريشة ) والأوراق الجنينية (الفلقات ) .
وحتى ينبت هذا الجنين فلابد أن يكون حياً، فالجنين الميت لا ينبت ولا تستطيع كل أبحاث الدنيا ومختبراتها ومزارعها أن تحييه أو تنبته .
فمن وهب هذا الجنين الحياة ؟ هل الطبيعة الصماء الميتة كما يدعي الدارونيون أم الصدف العمياء والطفرات المعيبة ؟ أم أن الله سبحانه وتعالى الحي القيوم رب كل شيء ومليكه القادر على إخراج الحي من الميت ؟
لقد تحدثت في موضوع (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) عن الإنبات وشروطه .
وفي هذا الموضوع سوف نركز على التغيرات التي تحدث حتى ينفلق الحب والنوى ويخرج الحي من الميت .
فبعد أن تتهيأ وتتوفر جميع الشروط اللازمة للإنبات تحدث في الحب والنوى العديد من التغيرات الفيزيائية والكيميائية والحيوية والتي نلخصها فيما يلي:
أولاً : التغيرات الفيزيائية (Physical Changes)
وهي تحدث في الحب والنوى عند ملامستها للماء سواء كانت الحبة أو البذرة حية أو ميتة ، حيث تتشرب الحبة أو البذرة الماء ،وتنتفخ وتتمزق اغلفتها نتيجة للضغط عليها .
ثانياً : التغيرات الكيميائية ( Chemical Changes )
وهي تحدث فقط في الحبوب والبذور الحية ، حيث تنشط مكونات الأنزيمات فيها وتتحول المواد الغذائية المدخرة من مواد كبيرة الحجم معقدة التركيب ، لا تنفذ من أغشية الخلايا ولا يستطيع الجنين امتصاصها، تتحول إلى مواد أبسط في التركيب وأقل في الحجم يسهل على الجنين امتصاصها وعبورها للداخل عبر الأغشية وهنا تتحلل الروابط وتزداد البذور في الحجم .
ثالثاً : تغيرات حيوية ( Biotic Changes )
حيث تنشط الخلايا الجنينية وتنقسم ويزداد عددها ووزنها وحجمها على حساب المواد الغذائية المدخرة والماء ، وتتحول المواد الغذائية المدخرة من مواد ميتة إلى مكونات للخلايا الحية ، وهنا إخراج للحي من الميت ثم يظهر الجذير خارج الحبة أو البذرة إلىالتربة والماء ، ثم تظهر الرويشة أيضاً خارج الحبة أو البذرة وتتجه إلى أعلى غالباً وتعطى الساق الذي يحمل الأوراق والأزهار والثمار والأشواك والمعاليق وباقي الزوائد.
وبنظرة علمية إلى النوى الصلد ، نجده يتحول بقدرة الله تعالى إلى مادة لينة حلوة الطعم سهلة الامتصاص والتمثيل الغذائي ويشق الله سبحانه وتعالى الأغلفة المتخشبة بلطفه ورحمته ، فيخرج منها الجذير الرقيق ، والرويشة الناعمة ونجد أن الرويشة تنحني حتى تحمي قمتها النامية من الأحتكاك بالتربة والهلاك ، والجذير يخترق أعتى أنواع التربة ,ف يهذا الأثناء تموت الآلاف من الخلايا بالاحتكاك والنمو السريع وهذا مصداقاً لقوله تعالى : (ومخرج الميت من الحي ) .
وفي هذه الأثناء تنفذ المواد الغذائية المدخرة في الحبة أو البذرة ولكن لطف الله مصداقاً لقوله تعالى في الآية (99) من سورة الأنعام (فأخرجنا منه خضراً ) وبذلك يستطيع النبات استغلال ثاني أكسيد الكربون وضوء الشمس والماء والمعادن والأملاح لتكون المواد الغذائية اللازمة لحياته وحياة جميع الكائنات الحية على الأرض .
وماذا يحدث لو أن الله سبحانه وتعالى سلب صفة الحياة من الحب والنوى ؟ من يستطيع أن يشقها عن الجذير والرويشة ؟
وهل لو سلبها الله سبحانه وتعالى صفة تكوين الخضر أو اليخضور من يستطيع أن يجعلها تستمر في الحياة حتى تعطيا الثمر والبذور والغذاء لاستمرار الحياة؟
ومن يخرج الأوراق الغضة الخضراء من السيقان الجافة الصلبة عديمة اللون ؟ .
ومن يخرج الأزهار الجميلة من السيقان الخضراء أو عديمة اللون أو البنية ؟
ومن يخرج الثمار الحلوة طيبة الطعم والرائحة من الأرض السبخة والماء العكر ؟
ومن الذي أودع في الحبة أو البذور الصغيرة مواصفات وخصائص الشجرة الكبيرة ؟
ومن حسب لهذا الجنين غير العاقل كمية الغذاء المطلوبة لفترة سكونه وإنباته حتى يدخرها في أنسجته ليستغلها وقت الحاجة ؟
هل كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عالماً بعلم الأجنة النباتية ، وعلوم الإنبات والفيزياء والكيماء الطبيعية والحيوية ، حتى يربط بين فلق الحب والنوى وإخراج الحي من الميت والميت من الحي ؟
لقد جاء هذا الإعجاز في معرض الرد على المشركين والاحتجاج عليهم بعجائب الصنع ولطائف التدبير الإلهي قال :(إن الله فالق الحب والنوى ) أي يفلق الحب تحت الأرض لخروج النبات منه ، ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي .
فهل رأيتم إعجازاً مثل هذا الإعجاز وتدبيراً يداني هذا التدبير وحكمة في الخلق مثل هذا الخلق ؟
وصدق الله العظيم عندما قال : (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ {95} فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
المصدر : كتاب آيات معجزات من القرآن وعالم النبات
تأليف الدكتور نظمي خليل أبو العطا دكتور الفلسفة في العلوم ( نبات) جامعة عين شمس