كيف نتربى بالإيمان ؟
محمد بن عبدالعزيز الشمالي
مقدمة: إن الإيمان بالله - عز وجل - هو أهم أصول الإيمان وأعظمها شأناً وأعلاها قدراً بل هو أصل أصول الإيمان وأساس بنائه وقوام أمره وبقية الأصول متفرعة منه راجعة إليه مبنية عليه والإيمان بالله - عز وجل - هو الإيمان بوحدانيته - سبحانه - في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته فهذه أصول ثلاثة يقوم عليها الإيمان بالله بل إن الدين الإسلامي الحنيف إنما سمي توحيداً لأن مبناه على أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريك له وواحد في ذاته وأسمائه وصفاته لا نظير له في ألوهيته وعبادته لا ند له.
**أولاً:
تعريف الإيمان بالله ومعناه. هو التصديق الجازم بوجود الله واتصافه بكل صفات الكمال ونعوت الجلال واستحقاقه وحده العبادة واطمئنان القلب بذلك اطمئناناً تُرى آثاره في سلوك الإنسان والتزامه بأوامر الله واجتناب نواهيه.
زاد الشيخ حافظ الحكمي: (هو الأول فليس قبله شيء والآخر فليس بعده شيء والظاهر فليس فوقه شيء والباطن فليس دونه شيء..).
**ثانياً:
حقيقة الإيمان بالله..تتبين حقيقة الإيمان بالله في عدة أمور :
1)الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه ويتحقق ذلك بإفراده بالعبادة بما تعبدهم به من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر.
يقول الله - تعالى - :{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات ويقول الله – تعالى -: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (36) سورة النحل ويقول الله - تعالى - : {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (14) سورة غافر.
وعن معاذ - رضي الله عنه - قال كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له عفير فقال يا معاذ: (هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت الله ورسوله أعلم قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول الله أفلا أبشر به الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا) صحيح البخاري ج3/ص1049 و صحيح مسلم ج1/ص58
2) الإيمان بجميع ما أوجبه الله على عباده وفرضه عليهم، من أركان وواجبات كالشهادتين والصلاة والزكاة وغيرها.
3)الإيمان بأنه خالق العالم ومدبر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء - سبحانه - يقول الله - تعالى -:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (62) سورة الزمر.
4)الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى الواردة في كتابه العزيز والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، يقول الله - تعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى.
**ثالثاً:
علامات الإيمان بالله.. 1)أن يكون الله - عز وجل - أحب إليك من كل ما سواه.
عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) صحيح البخاري ج1/ص14و صحيح مسلم ج1/ص66
2)الاستجابة التامة لأوامر الله - عز وجل -.
، ويتحقق ذلك بقبول كل ما جاء عن الله - عز وجل - أو جاء عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - المبلغ عن الله وتطبيقه والعمل به والرضا التام به يقول الله - عز وجل -: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (51) سورة النــور ويقول الله - عز وجل -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذ خاتمك انتفع به قال لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) صحيح مسلم ج3/ص1655رقم (2090)
3)الحب في الله والبغض في الله..
ومعنى ذلك أن يحب المؤمنين لما عندهم من الإيمان ولما هم عليه من الطاعة ويبغض العصاة لما هم عليه من المعصية فتبغض منه هذه المعصية ويبقى محبته لإيمانه أما الكافر فيكون البغض لهم شديد وقوي لما هم عليه من الكفر وعدم الاستجابة لأمر الله - عز وجل - يقول الله - تعالى -:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (22) سورة المجادلة.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله) سنن أبي داود ج4/ص198 برقم (4599)
البراء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله)مصنف ابن أبي شيبة ج6/ص170
عن أبي ذر قال: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقال: (أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله - عز وجل - قال قائل الصلاة والزكاة وقال قائل الجهاد قال إن أحب الأعمال إلى الله - عز وجل - الحب في الله والبغض في الله) مسند أحمد بن حنبل ج5/ص146برقم (21341)
4)إيثار الآخرة على الدنيا..
يقول الله - تعالى - :{فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهوى فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (37ـ41) سورة النازعات.
5) عمارة المساجد..
يقول الله - تعالى - :{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة. وتكون هذه العمارة حسية بالبناء وما يتعلق به وتكون معنوية وذلك بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والاعتكاف وغيرها.
6)الحب للطاعة والبغض للمعصية..
وذلك لأن الطاعة الذي أمر بها الله – عزوجل - وبغض المعصية لأن الذي نهى عنها هو الله - عز وجل -.
عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال :(إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن) المستدرك على الصحيحين ج1/ص58.
**رابعاً:
ثمرات الإيمان بالله.. وهي ما يجده المؤمن في خاصة نفسه. 1/ حب الله لعبده المؤمن.. وتأمل هذه النصوص الكريمة الواعدة بالفضل..
يقول الله - تعالى - :{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (38) سورة الحـج
ويقول - تعالى - :{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أولياؤهم الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (257) سورة البقرة
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قال: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته) صحيح البخاري ج5/ص2384برقم (6137)
وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض) صحيح البخاري ج3/ص1175برقم(3037)
2/استغفار الملائكة..
يقول الله - تعالى - :{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} غافر من(7ـ9)
3/السعادة التي يجدها المسلم في لذة العبادة..
وهي الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين يقول الله - تعالى - :{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل.
وهذه اللذة عبر عنها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة)
4/ السلامة من سلطان الشيطان..
ذلك أن الشيطان يوسوس لكل أحد ويدله إلى ما يهلكه وقد جعل الله لعباده المؤمنين حصوناً يمتنعون فيها من وسوسته يقول الله - تعالى - :{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} سورة النحل(98 ـ 100)
5/ يمدُّ الإنسان بقدرةٍ كبيرةٍ على تحمل المصائب.
لأنَّه يعلم أن هذا ابتلاء واختبار وهو خير له.. عن صهيب بن سنان - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" {رواه مسلم برقم (2999)}.
وليس هذا فقط، بل إنَّ الله - تعالى - يخلفُ عليه ما فاته، ويجزل له الأجر والمثوبة إذا التجأ إليه.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها" {رواه مسلم برقم (918)}.
لذا نجد المؤمن دائما يشعر بالفرح والسرور، وفي أحرج الظروف وأشد المصائب نراه في غاية الصبر والرضا؛ لأنه يعتقد أنه عندما يشاك بشوكة فما فوقها يكون له بها أجر.. فكل مصيبة تلحق الإنسان فهي بإذن الله - تعالى -، قال - عز وجل -: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (11) سورة التغابن
**خامساً:
أثر الإيمان بالله.. وهي ما يُرى أثره على أهل الإيمان عامة. 1/أنه مفتاح الحل لمشاكلنا المستعصية.. فهو الطريق إلى النصر.. يقول الله - تعالى -: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (47) سورة الروم.
2/ أنه طريقنا إلى العزة، قال - تعالى -: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (

سورة المنافقون
3/أنه طريق إلى الرخاء والنعمة، قال - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف