عن ابن عباس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: صلى الله عليه وسلمإنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، وفي رواية: صلى الله عليه وسلمإلى أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). متفق عليه(1).
هذا حديث عظيم، مليء بالحكم والأحكام، والفوائد الجليلة العظام، أوجزها فيما يلي من الوقفات:
الوقفة الأولى: قوله صلى الله عليه وسلملما بعث معاذا إلى اليمن)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: كان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم، _كما أخرجه البخاري_، وقد روى الواقدي أنه كان في السنة التاسعة عند منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، وقيل غير ذلك، لكنهم اتفقوا أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم توجه إلى الشام فمات بها(2).
الوقفة الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليه وسلمإنك تأتي قوماً من أهل الكتاب...).
هذه أولى وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه وفيها ثلاث فوائد:
الأولى: أن المسؤول إذا أراد أن يندب أحداً لعمل مهم عليه أن يوصيه بما يعينه على أداء مهمته، وبخاصة إذا كانت شبيهة بمهمة معاذ _رضي الله عنه_ ، كمن سيقوم بالدعوة إلى الإسلام، أو يعلم الناس، أو يكون قاضياً عليهم، أو ينظر في مشاكلهم، ونحو ذلك.
الثانية: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نبّه معاذا إلى أن القوم الذين سيقدم عليهم أهل كتاب؛ وهم اليهود والنصارى، وإنما أخبره بذلك؛ لكونهم يحتاجون إلى شيء من العلم وقوة الحجة، ليستعد لذلك بما أعطاه الله تعالى من العلم، فلا يظن أنهم جهلة، وبالتالي يعرض الدعوة عليهم عرضاً غير مناسب فلا يحصل المقصود.
الثالثة: من هذه الجملة القصيرة يستفيد الدعاة إلى الله فائدة عظيمة، ولنقف عندها قليلاً بشيء من البسط، ذلك أن الدعوة إلى الله تحتاج في عرضها للناس أسلوباً يليق بمكانها وشرفها وعظم شأنها، فالرسول صلى الله عليه وسلم ينبه معاذا إلى أن لكل مقام مقالا! فمخاطبة الجاهل تختلف عن مخاطبة المتعلم، ومخاطبة أنصاف المتعلمين تختلف عن مخاطبة المتعلمين، وهذا من الحكمة التي أمر الدعاة بانتهاجها، في قوله تعالى: صلى الله عليه وسلمادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)(3).
ومن الملاحظ أن كثيراً ممن ينتهجون أسلوب الوعظ والإرشاد والتوجيه لا يراعون مثل هذا مما لا يجعل لكلامهم فائدة كبيرة، ولو لاحظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدناه الحكيم كل الحكمة في عرض الدعوة، ابتداء بعرضها على قريش في أول الدعوة، وحتى توفاه الله _عز وجل_، فتارة يعرضها بأسلوب الخطبة للناس عموماً، وتارة يعرضها على شخص معين، وتارة بتصحيح خطأ، وهكذا.
إن عدم انتهاج أسلوب الحكمة، ووضع الكلمة في غير موضعها قد يؤدي إلى أضرار كثيرة، ومن أهمها نفور الناس من الإسلام وأهله. إن الكلمة أمانة ومسؤولية، والمتكلم أمين، فعليه أن يؤدي أمانته على الوجه المطلوب لأجل أن تؤدي مفعولها وتثمر ثمارها الطيبة _إن شاء الله
<hr align=right width="33%" SIZE=1>
[1] أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي r أمته إلى توحيد الله، 15/2301، ح 7372، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، ح 19، 1/50.
[2] نقلا من كتاب: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، ص 71، 72، الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ.
[3] سورة النحل، الآية: 125.