التهاون بعد رمضان ربما يدل على عدم قبول العبادات
[size=25]المشاركون في التحقيق:
(1) الدكتور عبد الرحمن السديس/ إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة.
(2) الدكتور سعود الشريم/ إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة.
(3) الشيخ عبد المحسن القاسم/ إمام وخطيب الحرم النبوي الشريف.
(4) الشيخ مازن التويجري إمام وخطيب جامع حي النزهة بالرياض.
جرت العادة عند بعض المسلمين أن يكرسوا جل وقتهم للعبادة في رمضان، إلا أنه ما أن ينقضي الشهر المبارك حتى يقل الاجتهاد في العبادة تدريجيا، وكأن تقوى الله محصورة في رمضان. هل نسي هؤلاء أن الله فرض عليهم طاعته وألزمهم عبادته في كل وقت وأن من علامات قبول العمل في رمضان المواظبة على الأعمال الصالحة بعده؟ لا شك أن التهاون في الطاعة بعد رمضان دليل على ضعف الإيمان وربما يكون دليلا على أنه لم يكن لهؤلاء المتهاونين حظ من صيامهم سوى الجوع والعطش - والعياذ بالله -. (الدعوة) طرحت هذا الموضوع على عدد من أصحاب الفضيلة العلماء فكان التحقيق التالي:
في البداية يتحدث الشيخ مازن التويجري إمام وخطيب جامع حي النزهة عن سبب انصراف الناس عن العبادة بعد شهر رمضان حيث يقول: بعد كل هذا النعيم الذي رأيناه في شهرنا المبارك، رأينا إقبال الناس على الطاعة بأنواعها من فرض ونفل، لا بد من سؤال نحتاج الإجابة عنه إلى تجرد وصدق ونظر في الواقع قبل إلقاء الجواب. والسؤال هو: هل لتلكم الطاعات أثر في حياتنا، في عباداتنا، في تعاملنا، في أخلاقنا، في أقوالنا وأفعالنا؟ هل تحقق فينا قول ربنا - جل وعلا -: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (45)} [العنكبوت]. هل انتهينا عن المنكرات؟ ماذا عن أقوالك، عن صدقك في الحديث والمعاملة؟ ماذا عن المنكرات التي عمت كثيرا من البيوت (إلا من رحم الله)؟ سهر ومسلسلات، طرب وفضائيات، ضياع للأوقات، ومحاربة لرب الأرض والسموات. أين أثر الصلاة؟ أين أثر البكاء والدعاء؟ أين نتاج الخشوع والخضوع؟ أم أن القضية أضحت عادات، حركات وسكنات، لا روح فيها ولا طعم؟ ويضيف قائلا: أين أنت من قول نبيك - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، ويتساءل قائلا: من الذي أمرك بالصلاة في رمضان؟ من الذي أمرك بالصيام، بالصدقة والذكر؟ تقرأ كلام من؟ وترتل كتاب من؟ أليس هو الله؟ الله الذي أمرك بالصلاة في رمضان هو الذي يأمرك بالصلاة في كل يوم من أيام السنة، أمرك بالصيام والذكر والدعاء في رمضان وغيره. إذا ما الذي جرى؟ ما هذا الخلط العجيب في فهم العبودية؟ فهل نحن نعبد رمضان أم رب رمضان؟ {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)} [الذاريات]. ليعبدون في رمضان وغيره. {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162)} [الأنعام] {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (99)} [الحجر] {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا (92)} [النحل]. وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - المتفق عليه: (وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه). وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا عبدالله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل). وفي الحديث: (إن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل). وكان عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديمة كما في البخاري. فهل نعي الدرس الحقيقي من شهر الصيام، وأنه مثال مصغر لتحقيق العبودية لله - سبحانه وتعالى -، فليكن منطلقا لتحقيقها في جميع الأزمان والأحوال.
الطاعة المطلقة
ويضيف فضيلة د. الشيخ عبد المحسن القاسم إمام وخطيب الحرم النبوي الشريف والقاضي بمحاكم المدينة المنورة مؤكدا على الاهتمام بالأوقات وإعمارها بالعبادة، حيث يقول: الطاعة ليس لها زمن محدود، ولا للعبادة أجل معدود، بل يجب أن تسير النفوس على نهج الهدى والرشاد بعد رمضان، فعبادة رب العالمين ليست مقصورة على رمضان، وليس للعبد منتهى من العبادة دون الموت، وبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان. وأكد فضيلته قائلا: إن للقبول والربح علامات، وللخسارة والرد أمارات، وإن من علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها، ومن علامة السيئة السيئة بعدها، فأتبعوا الحسنات بالحسنات تكن علامة على قبولها، وأتبعوا السيئات بالحسنات تكن كفارة لها ووقاية من خطرها، قال - جل وعلا -: {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين (114)} [هود]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) [رواه الترمذي]. ومن عزم على العود أي التفريط والتقصير بعد رمضان فالله يرضى عمن أطاعه في أي شهر كان، ويغضب على من عصاه في كل وقت وآن، ومدار السعادة في طول العمر وحسن العمل، يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (خير الناس من طال عمره وصلح عمله). ومداومة المسلم على الطاعة من غير قصر على زمن معين أو شهر مخصوص أو مكان فاضل من أعظم البراهين على القبول وحسن الاستقامة. وعن مشروعية استمرار الصيام والقيام، يقول فضيلته: إن انقضى موسم رمضان فإن الصيام لا يزال مشروعا في غيره من الشهور، فقد سن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - صيام يوم الاثنين والخميس، وقال: (إن الأعمال تعرض فيها على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، وأوصى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة - رضي الله عنه - بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقال: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) (متفق عليه). وأتبعوا صيام رمضان بصيام ست من شوال، يقول - عليه الصلاة والسلام -: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) (رواه مسلم). ولئن انقضى قيام رمضان فإن قيام الليل مشروع في كل ليلة من ليالي السنة، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، ويقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ وعن أهمية المداومة على الأعمال يقول: وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، والمغبون من انصرف عن طاعة الله، والمحروم من حرم رحمة الله، والخطايا مطوقة في أعناق الرجال، والهلاك في الإصرار عليها، وما أعرض معرض عن طاعته إلا عثر في ثوب غفلته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق، فإياك والمعاصي بعد شهر الغفران، فالعاصي في شقاء، والخطيئة تذل الإنسان وتخرس اللسان. يقول أبو سليمان التيمي: (إن الرجل يصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته)، وأقبح بالذنب بعد الطاعة والبعد عن المولى بعد القرب منه {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)} [النحل].
size]