لحسن الخاتمة .. ولسوء الخاتمة علامات
د: علي بن عبد العزيز بن علي الشبل*
الحمد لله، نحمده ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً..أما بعد..
فإن حسن الخاتمة أمنية يرجوها كل مؤمن ومؤمنة، وسوء الخاتمة دركة يستعيذون الله منها إلحاحاً وعبودية، ولذا أشفق الصالحون منها، ورغبوا في حسن العواقب، حيث استقر في قلوبهم أصل عظيم وجليل، وهو أن السعادة والشقاوة مناطة بخاتمة الإنسان، حيث الأعمال بالخواتيم.
والأصل في هذا ما صح في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون، وفي أصحابه رجل لا يدع شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منّا اليوم أحد كما أجزأ فلان.. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هو من أهل النار).
فقال رجل من القوم: أنا أصاحبه فاتبعه، فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على نفسه فقتل نفسه.. فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: أشهد أنك رسول الله، وقصّ عليه القصة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة، إنما الأعمال بالخواتيم).
وهذا يتفق مع حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً وفيه: (فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها). متفق على صحته.
فالحديثان يفسران بعضهما ويؤكدان على أهمية حسن الخاتمة، والتحذير والتنبيه من سوئها.
ومن ها هنا تظهر عقيدة المؤمن تجاه خوف الله ورجائه، فهما كما ذكر العلماء جناحا المؤمن يطير بهما إلى ربه، مع تغليبه حال الصحة جانب الخوف ليحذر معصية الله وأسباب سخطه وغضبه، ويغلب في جانب الموت والاحتضار جانب الرجاء ليبلغ بأمنيته رحمة ربه ورضوانه ثقة به واعتماداً عليه.
ولحسن الخاتمة علامات يسبقها توفيق الله وهدايته لعبده وإلهامه رشده، ومن ذلك الموت عقب عبادة كحج, أو عمرة أو صلاة ونحوهما، أو يموت في أثناء عبادة من العبادات, أو يختم له بكلمة التوحيد ونحو ذلك.
ولسوء الخاتمة علامات يسبقها تقدير الله وقضاؤه الكوني القدري العام، ومن ذلك الموت عقب معصية ولاسيما المعاصي الظاهرة كرياء في عبادة , أو شرب خمر, أو غناء, أو زنى, أو كفر وشرك بالله. فالواجب على الراغب الراهب إلى مولاه الحذر الشديد من سوء الخاتمة وسوء المنقلب والحرص الشديد أيضاً على حسن العاقبة وجميل الخواتم بسؤال الله ذلك بإلحاح وانطراح بين يديه، والمداومة على العمل الصالح - وإن قل - مراعاة موضوع النوايا وإخلاصها لله - عز وجل - قصداً وعملاً وقولاً، بتجريد التوحيد لله - عز وجل - بالمحيا والممات وبسائر العمل والقول.
هذا ولا يجوز التلاعب والاستهزاء والسخرية بالألفاظ الشرعية والأوصاف الدينية كلفظ الشهادة ووصف الإنسان بها عيناً إلا من وصف له بذلك الشارع الحكيم في الوحيين الشرعيين.
لأن الشهادة يلزم عليها مغفرة ذنب الشهيد ووجوب الجنة له، ونجاته من النار، لذا كان من عقيدة أهل السنّة والجماعة عدم الشهادة لمعين بجنة ولا نار إلا من شهد له النص من كتاب الله وسنّة رسوله.
وإنما ترجى الشهادة لمن حقق أوصافها وانتفت عنه موانعها، وعليه فلا يليق ولا يصح وصفها لمن عرف بالفسق واشتهر بالمعاصي، وأخشى أن يكون ذلك من التألي على الله والتحكم عليه، والاستهزاء وابتذال دينه، ولاسيما في باب الأسماء والأحكام، فلينتبه الإنسان لنفسه في مقاله وفعله ومقصده، فالمسلم من سلمه الله، وليجعل الإنسان الله عند قوله وفعله ونيته والله أعلم.
*أستاذ مدرس بجامعة الإمام