السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يجتمع الإخلاصُ في القلب ومحبة المدح والثناء والطمعُ فيما عند الناس ، وإلا كما يجتمع الماء والنار والضبّ والحوت.
فإذا حدَّثتك نفسُك بطلب الإخلاص ، فأقبٍل علي الطمع اولاً فاذبْحه بسكين اليأس ، وأقبل علي المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة . فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص.
فإن قلت : وما الذي يُسَهَّل عليَّ ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟.
قلت : أما ذبح الطمع ، فيسهله عليك علمك يقيناً أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنة ، لا يملكهما غيره ، ولا يؤتي العبدَ منها شيئاً سواه . وأما الزهد في الثناء والمدح ، فيسهلخ عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحُه ويزين ويضرُّ ذمُّه ويشين إلا الله وحده ، كما قال ذلك الإعرابي للنبي صلي الله عليه وسلم : إن مدحي زين وذمي شين ، فقال ذلك الله عز وجل .
فازهد في مدح من لا يزينك مدحُه ، وفي ذمَّ من لا يشينك ذمُّه ، وارغب في مدح من كلُّ الزين في مدحه وكل الشين في ذمه . ولن يقدر علي ذلك إلا بالصبر واليقين ، فمتي فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب ، قال تعالي :
"فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ(60)}. سورة الروم
وقال تعالي " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ " سورة السجدة ىيه [24]
المصدر كتاب الفوائد ل الإمام ابن قيّم الجوزيه