التداوي بالأعشاب .. بديل أم مكمل؟!
حسام أبو جبارة
"الأعشاب صيدلية متنقلة، كلما شحّ العلاج افتحها، وانتق منها دواءك"..هكذا يقول الكثير من الناس الذين يؤمنون بالعلاج بواسطة الأعشاب، بديلاً أو مكملاً للعلاج الكيماوي.. ولكن هل كل الأعشاب صحية وخالية من الأخطار؟! أليست أشهر السموم التي عرفتها البشرية في الماضي والحاضر عبارة عن أعشاب ونباتات؟!
لقد عرف الإنسان منذ فجر التاريخ الأعشاب الطبية وفوائدها العلاجية المختلفة، وبرع الصينيون والمصريون القدماء في علم التداوي بالأعشاب؛ إذ استخدموها للعلاج والتحنيط والزينة. وفي العصور الإسلامية انتشر أيضاً علم التداوي بالأعشاب، وظهر الكثير من الكتب والمخطوطات التي تشرح بصورة واضحة أنواع الأعشاب الطبية المختلفة وطرق استخدامها والأمراض التي يمكن أن تعالجها. وبالرغم من التطور الهائل في الطب وظهور الكثير من الأدوية في شتى مجالات العلاج، فإن الحقبة الماضية شهدت عودة إلى استخدام الأعشاب الطبية في علاج الأمراض، كواحد من أهم أفرع الطب البديل.
(الإسلام اليوم) تفتح ملف طب الأعشاب البديل أو المكمل، وتستطلع آراء خبراء الأعشاب والأطباء والاختصاصيين في هذا المجال.
كثرة المؤيدين
في البداية تحدثنا إلى بعض الأشخاص الذين استخدموا الأعشاب للعلاج، ومنهم غياث الراس، الذي يؤمن بمقولة "الأعشاب إن لم تنفع فإنها لا تضر"، وتحدث عن والدته التي مرضت مرة، مرضاً شديداً، واستخدمت الأعشاب علاجاً فأعطت مفعولها أكثر من الدواء التقليدي. أما خالد محمد فيستخدم العسل وحبة البركة وغذاء ملكات النحل واليانسون علاجاً لأوجاع المعدة الذي يعاني منه منذ ثماني سنوات، وهو يرتاح كثيراً عند تناولها، ولا يعتقد بوجود أضرار جانبية لها.
ويفضل أحمد سمية استعمال الأعشاب للأمراض التي تأخذ وقتاً طويلاً للشفاء؛ لأن مخاطرها تكون أقل من الدواء العادي. وهو يرى أن المستقبل سيكون للعلاج بالأعشاب لأنها متوفرة بكثرة، وسهلة الاستخدام، ورخيصة الثمن، ومخاطرها قليلة. ولكن عبيد صالح لم يستخدم الأعشاب مطلقاً في حياته ولا يؤيد استعمالها إلا لأمراض بسيطة كآلام البطن مثلاً. وتنصح منال عبد الله بالحصول على الأعشاب والأدوية المصنوعة من مواد طبيعية من أماكن ومحلات مرخصة من الجهات المعنية، وبضرورة استشارة الطبيب قبل استخدامها؛ لأن بعضها له مضاعفات سلبية. أما فرح بدر فلا تحكم على إمكانية شفاء الأعشاب للمرضى إلا بعد تجربتها، وقد استخدمت هي شخصياً أعشاباً كالميرمية والبابونج لعلاج أمراض البطن بعد أن أخبرتها والدتها بأنها مجربة.
وإذا كان معظم الذين التقيناهم يستعملون الأعشاب الطبية، ويؤمنون بنجاعتها، فإن لديهم الكثير من التساؤلات حول مصادر هذه الأعشاب، وكيفية استخدامها في العلاج، وكيفية التفريق بين المفيد والضارّ منها.. لذلك التقينا بعض خبراء الأعشاب والأغذية الطبيعية كي نستوضح منهم الأمر.
* أعشاب منزلية مفيدة
يُعدد عبد الرؤوف يونس -خبير أعشاب- المناطق التي يحصلون منها على الأعشاب الطبية بالقول: "هناك الكثير من الدول التي نحصل منها على الأعشاب المستخدمة في العلاج ومنها: الهند، ومصر، والصين، وإيران، وسوريا، واليمن، والسودان، وروسيا، وأستراليا، وألمانيا".
ويضيف يونس: "هناك أعشاب ومواد طبيعية موجودة بسهولة بين أيدي الناس يمكن أن تعالج الكثير من الأمراض مثل "الحبة السوداء" التي تنشط جهاز المناعة من خلال تحسين فعالية الخلايا الطبيعية القاتلة التي تهاجم الخلايا المريضة، كما أنها تحتوي على مواد مقوية ومنشطة، وهي تزيل السّعال العصبي، وتعالج الإرهاق، وتنشط الذاكرة، وتساعد على زيادة إدرار حليب الأم والبول.. وهناك عشبة "الأيكناشيا" التي تعدّ النبات الأول في حماية الجسم من الميكروبات، ومعالجة الالتهابات الصديديّة في الجسم، وهي توقف نمو البكتيريا وتقضي عليها، وتعالج الدمامل وحب الشباب والتهاب اللوزتين ولدغات الأفاعي. كذلك يعتبر "الكركم" خير من يحافظ على صحة ووظائف الكبد، فهو مضاد للدهون في الدم وخلايا الكبد ويقلل من مستوى الكوليسترول في الدم، ويحمي من سرطان القولون. ويساهم في علاج مرض السكري؛ لأنه يحفز إنتاج الأنسولين من خلايا البنكرياس، ويفيد في حالات الإرهاق والإجهاد. أما "إكليل الجبل" فينشط القلب والأمعاء، ويقوي الذاكرة، ويطرد الغازات، ويساعد في علاج الصداع النصفي، ويحسّن الدورة الدموية، ويطهّر الرئة، ويزيد من إفراز المرارة، ويوسع الشرايين الدقيقة في الرأس. في حين يخفّض "الراوند" من حرارة الجسم، ويعالج البواسير ويخفف من الدهون والشحوم، ويعالج الإمساك، وينشط البنكرياس. ويستعمل شاي "الراوند" لإزالة الحبوب السوداء من الوجه عن طريق شربه".
ويضيف خبير الأعشاب سامر الحميدي إلى هذه الأسماء: "البابونج" الذي يهدّئ الأعصاب ويعالج المغص المعوي، و"الميرمية" التي تخفض نسبة السكر في الدم، وتخفف الوزن، وتهدئ القرحة المعوية، وكذلك "الزعتر" المهدئ للسعال، والمنشط للذاكرة، و"الشاي الأخضر" المانع للتجلطات والمخفف لنسبة الدهون في الدم، وهو يساعد على تخفيف الوزن، ويقي من السرطان.
الخبرة هي الأساس
وحول فحص ومراقبة الوصفات العشبية المستخدمة للعلاج قال خبير الأعشاب والتداوي بالحجامة عادل العارف: إن جميع الأعشاب والوصفات الدوائية العشبية في دولة الإمارات العربية المتحدة، مثلاً، تُفحص في "مجمع زايد لبحوث الأعشاب والطب التقليدي" في "أبو ظبي"، وهو الجهة الرئيسة في هذا المجال كونه يضع معايير جودة الأعشاب المستوردة للتأكد من سلامة استعمالها، ويجري الأبحاث على المواد العشبية من أجل تطوير جودتها وفعاليتها. ويؤكد الخبير سامر الحميدي أن جميع الأعشاب المستخدمة في العلاج تخضع لمراقبة وإشراف من قبل وزارة الصحة والبلديات للتأكد من مطابقتها للقوانين والشروط الصحية، كما يتم فحص نظافة وتهوية الأعشاب وصلاحيتها باستمرار، إضافة إلى مراقبة كيفية تجهيز الخلطات العشبية والزيوت الطبيعية.
وبالنسبة للتحقق من موثوقية مكونات الوصفات العلاجية، يقول الخبير عبد الرؤوف يونس: إنه لا يصف علاجاً من الأعشاب دون أن يعرف مكوناته؛ لأن الخبرة هي الأساس. ويضيف عادل العارف أن غالبية الوصفات مأخوذة من أمهات الكتب مثل "الطب النبوي"، ومؤلفات ابن سينا وكتاب "تذكرة داود" للأنطاكي، وكتاب "الرحمة" للإمام السيوطي وغيرها، ولذلك لابد للمعالج بالأعشاب أن يكون مُلمّاً بخواصها، سواء كانت مفردة أو مركبة.
ولعل من المفيد هنا أن نعدّد بعض النصائح حول أسلم الطرق لاستعمال الأعشاب بطريقة صحية سليمة ومنها:
- استشارة أهل الاختصاص قبل استعمال أي دواء عشبي لمعرفة مزاياه وأعراضه الجانبية المحتملة.
- الالتزام بالكمية أو الجرعة الموصى بها وعدم تجاوزها.
- استعمال الأعشاب من قبل الشخص المريض فقط، وعدم إعطاء نصائح باستعمالها من قبل أشخاص مصابين بذات المرض؛ لأن بعضهم قد تكون عنده حساسية تجاه بعض الأعشاب.
- الانتباه لأي تفاعلات محتملة، خاصة في حالة استخدام أعشاب أو أدوية أخرى.
- الحصول على الأعشاب من أماكن مرخّصة؛ لأن الحصول على الأعشاب من مصادرها الطبيعية يتطلب خبرة طويلة، فمثلاً هناك تشابه كبير بين "البقدونس البري" ونبات "الشوكران" السامّ، وكذلك الأمر بالنسبة للفطر العادي، وفطر "الأمانيتا" الذي يُعرف بـ"قبعة الموت" تأكيداً على سُمّيّته الشديدة!
أمراض عالجتها الأعشاب
يجمع خبراء الأعشاب على أن الفئة الأكثر إقبالاً عليهم هم الأشخاص الذين يئسوا من الطب الحديث وآثاره الجانبية، وفي الغالب أولئك الذين يعانون من أمراض استعصى علاجها، كما يقول عادل العارف.
من جانبه، يرى عبد الرؤوف يونس أن هناك الكثير من الأمراض المستعصية التي عالجتها الأعشاب بعد أن عجز عنها الطب الحديث، ومنها الصدفية، والأكزيما، والربو، والسكري، وأمراض الكبد الفيروسي، وكذلك - كما يقول سامر الحميدي - تضخم البروستاتا ومشكلات الكليتين، ويضيف الحميدي أن الوصفات العشبية تعد مكملة للعلاج الكيميائي، فلا تُعطى أي وصفة عشبية إلا بعد السؤال عن الدواء الذي كان يتعاطاه المريض حتى لا تتداخل مكونات العلاج وتحدث مضاعفات خطيرة لا قدّر الله.
ويروي الحميدي أمثلة لأشخاص عولجوا بوساطة الأعشاب فكان الشفاء حليفهم، ومنهم طفل في الخامسة من عمره كان يعاني من احتقان والتهاب حادّين في اللوزتين، وكان من المقرّر أن تجرى له عملية لاستئصال اللوزتين، إلا أنه أُعطي برنامجاً غذائياً خاصاً، ثم علاجاً من الأعشاب والعسل وخلاصة الزيوت الطبيعية فشُفي بفضل الله خلال فترة لا تتجاوز الأربعين يوماً وأُلغيت العملية. وهناك رجل سوداني الجنسية عمره (54) عاماً أثبتت التحاليل الطبية وجود تضخم والتهاب في البروستاتا عنده، فأُعطي نظاماً غذائياً من (المايكرو بوتيك) ثم أُعطي وصفة عشبية مع العسل، وخلال سبعين يوماً شُفي وعادت له حياته بشكل طبيعي دون مشكلات.
الطبيعة خير علاج
تعمل الصيدلانية كندة الصرّاف في مركز متخصص بالغذاء الصحي، وهي - بحكم عملها- لها خبرة في مجال الغذاء الصحي والعلاجات المأخوذة من مواد طبيعية.
سألناها بداية عن مصدر المواد المتوفرة في المركز فقالت: "كلها منتجات وأغذية طبيعية 100%، بدءاً من الأرض التي تُزرع بها، مروراً بالأسمدة التي تُضاف إليها، وانتهاء بطرق تصنيعها وحفظها؛ فالأغذية طبيعية وبعضها مضاف إليه معادن وعناصر غذائية مفيدة للصحة، كالألياف، والبروتينات. أما الأدوية فكلها من مصدر عشبي مؤكد وموثوق".
وبالنسبة لاستخدام بعض المنتجات الطبيعية علاجاً، تؤكد كندة أن الأدوية الطبيعية لا تعدّ علاجاً بحد ذاتها، ولكنها مكملة وداعمة للعلاج الكيميائي، كما أن الاعتماد على غذاء طبيعي من شأنه أن يمنح وقاية للمستقبل. وحول أكثر المنتجات التي يقبل عليها الناس، تقول الصراف: إن الفيتامينات تحتل المرتبة الأولى، تليها أدوية التنحيف وتخفيف الوزن، ثم المقويات الرياضية.
رأي الطب الحديث
يرى الدكتور عدنان عبد الواحد -أخصائي أمراض المفاصل والعظام- أن الأعشاب لم تُدرس نتائج فعاليتها وتأثيراتها جيداً مثل الأدوية المصنعة كيميائياً، لذلك فإنها قد تكون فعّالة في علاج بعض الأمراض البسيطة مثل نزلات البرد والرشح والسعال. ويضيف: "الأدوية المصنعة كيميائياً تكون آثارها الجانبية محسوبة ومدروسة جيداً، وقد جُربت سنوات طويلة قبل أن يُؤذن لها بالتداول، أما العلاج العشبي فلا تزال الدراسات والتجارب قليلة فيه وقد تكون مضاعفاته خطيرة على المدى البعيد".
ويعتقد الدكتور عبد الواحد أن استخدام الأعشاب الطبية قد صاحبه الكثير من عدم الدقة والمبالغة في الوصف إلى الحد الذي دخل الدجل أو الخداع فيه؛ فقد تقرأ أو تشاهد في الإعلانات بأن الدواء العشبي الفلاني له مفعول سريع وسحري، ولكن عند الاستعمال تظهر الحقيقة، وتكون له تأثيرات جانبية لا تُحمد عقباها، لذلك يجب استشارة الطبيب في ذلك، وعدم التهاون في التعامل مع صحة الإنسان من قبل أشخاص لا علاقة لهم بالطب، ويدّعون الخبرة بالأعشاب.
ورغم معارضة الدكتور عدنان عبد الواحد الدواء العشبي وتفضيله الدواء الكيميائي، فهو يقرّ بأنه لم تُعرض عليه حالات لمرضى أثّر فيهم دواء عشبي تأثيراً سلبياً. ويضيف: "يمكنني أن أصف دواءً عشبياً لمريض لكن بشرط أن يكون مصنعاً في شركة أدوية معروفة لكي تكون مكوناته مضمونة".
وإذا كان الأطباء يعتقدون بأن الأدوية والعقاقير أكثر فعالية من الأعشاب كونها تخضع لإدارة وإشراف منظمة الأغذية والأدوية (FDA)، فإن الأعشاب في الواقع تتمتع بميزة أكبر وتاريخها الطويل في مجال الاستهلاك؛ إذ صمدت إزاء اختبار الزمن منذ عصور. وتعتمد فعالية العشبة على عوامل عدة: تركيبتها الجنينيّة، شروط الزراعة والنمو، درجة النضوج وقت الحصاد، مدة التخزين، طريقة التصنيع. ولذلك يفترض فعلاً الحصول على الأعشاب من مصادر خاضعة لإشراف من الجهات المعنية.
طب مكمل وبديل
العلاج بالأعشاب أصبح اليوم اتجاهاً عالمياً أقرّته منظمة الصحة العالمية لمزاياه وتدني تأثيره الجانبي مقارنة بالدواء الكيميائي، بيد أن العلاج بالأعشاب له بعض العيوب؛ فهو:
أولاً: علم دخله الكثير من الدجل والخداع.
وثانياً: بعض وصفاته العلاجية تحتاج وقتاً طويلاً حتى تشفي المرض.
وثالثاً: هناك صعوبة في تحديد دقيق لمكونات الدواء العشبي.
ورابعاً: معظم الرقابة على الأعشاب تقتصر على فحص تاريخ صلاحيتها أكثر من أن تكون رقابة صحية حول مفعولها. ومن الضرورة أن يتم استخدام العلاج بالأعشاب بعد الحصول عليها من أماكن مرخصة وأن يراجع الأطباء أو المختصين قبل التفكير باستعمال العلاج العشبي؛ لأن لكل مرض علاجاً، بوسائل وجرعات محددة. كما أن بعض الأعشاب يمكن أن تكون بديلاً كلياً للأدوية الكيميائية، وخاصة في الأمراض البسيطة، وبعض الأمراض التي ثبتت نجاعة العلاج العشبي معها، وبالمقابل هناك بعض الأمراض التي تُعدّ الوصفات العشبية مكملة للدواء الكيميائي في علاجها.