تعدد الزوجات أم تعدد الخليلات
ما زلنا أمام مشكلة من المشاكل الزوجية السلوكية ألا وهي انحراف الزوج أو الخيانة الزوجية, ونحن نرى أن الرجل إذا طلب الزواج بأخرى, أو تطلع إلى غير زوجته التي في بيته؛ فإنه فعلاً يكون في حاجة حقيقية للزواج الثاني.
فأيهما أكرم بأخلاق الرجال: الزواج بأخرى أم الوقوع في الفاحشة؟
أيهما أفضل لدين الرجل: الزواج الثاني أم مصاحبة الثانية؟
وقد تتصور المرأة أن التعدد إجحاف في حق ذاتها, وحط من شخصيتها, وإلغاء لاستقلالها, وأنه يسلبها كثير من الاحترام والتملك, وهذا تصور صحيح من زاوية المرأة الفرد, ولكنه في ذات الوقت تصور يلقي بعدوانه الصارخ على جنس المرأة عموماً, حين تفتش بعض النساء اللائي حُرمن الزوج أو فقدنه عن زوج آخر فلا يجدن.
والإسلام حين يشرع وحين يبيح أمراًَ ينظر إلى مصلحة العموم، ويقدمها على مصلحة الذات جلباًَ للمنافع العامة، ودرءاً للمفاسد الهالكة, وهو في هذه الحالة يتفق والمنطق السليم والعقل الحكيم.
وما دليل الإباحة؟
أباح الإسلام التعدد بنص قوله - تعالى- في سورة النساء: ((وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ))[النساء / 3].
فهذه الإباحة هي الحد الأقصى, فلا تجوز الزيادة على الأربع, وبهذا قال المفسرون والفقهاء، وأجمعت الأمة الإسلام على ذلك، وكان من يدخل في الإسلام في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أكثر من أربع زوجات يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإبقاء أربع, ومفارقة الباقيات.
ومن نافلة القول نقول: إن هناك سبع حالات تستدعي التعدد لا محالة وهى:
1- حالات المطلقة.
2- الأرملة.
3- العانس.
4- العقيم.
5- طبيعة الرجل وقدرته الجنسية.
6 - ظروف الحرب، وما ينتج عنها من نقص عدد الرجال.
7- تشير التقارير إلى أن عدد النساء في السنوات القادمة سيكون ضعف عدد الرجال.
وما المشكلة... إذن؟
لله الحكمة البالغة في كل قول وفعل, فإباحة تعدد الزوجات ليس استهانة بالمرأة, ولا حطاً من شأنها وقدرها, إنما هو لمصلحة المرأة والرجل والمجتمع.
والمشكلة هنا ليست في شرع الله, وإنما في الأخطاء الشخصية والفردية التي تقع من الأفراد, وبالتالي لا ننسب إلى شرع الله الخطأ والظلم, وإنما ما يحدث من مآسي ومشاكل من وراء تعدد الزوجات يرجع إلى فشل الزوج في إحداث التوازن بين الطرفين, إن الدين لا يضيره إساءة بعض المسلمين في استغلال رخصة التعدد دون عدل, فالإسلام يعُلو ولا يُعلى عليه, وهو الميزان والضابط, فمن وافقه كان على حق, ومن خالفه فهو المخطأ، وعليه أن يراجع نفسه, وعلاج الظلم الذي يحدث من البعض إذا تزوج بأخرى لا يكون بمنع ما أباحه الله - عز وجل -, إنما يكون بالتعليم والتربية، والتفقة في أحكام الدين.
لقد سمعنا الكثير من القصص العجيبة والمآسي التي تظهر التعدد بصورة منفرة, فمن البعض من أساء وتعدى وظلم, ففي الوقت الذي أراد فيه الرجل أن يقيم سنة التعدد, ذهب يضيع الفرائض، ويضيع نفسه ومن يعول.
من الناس من اعتدى على حق زوجته التي تزوج عليها, وأضاع أولادها, وحرمهم من الميراث, ومنهم من ضعف عن القيام بالنفقة عليهن, وعجز عن تربية الأولاد والنظر في مصلحهم, ومنهم من سارع بتطليق واحدة من نسائه خلاصاً من المشاكل فيصيبها بمضرة وأذى, ومنهم من سلك مسالك الإغاظة والكيد لإحدى نسائه, ومقارنتها بالأخرى، وغير ذلك من صور الإضرار.
مباح ولكن بشروط:
التعدد مع كونه مباحاً فله شروط وهي:
1- الشرط الأول: العدل.
2- الشرط الثاني: القدرة على الإنفاق.
الشرط الأول:
قال - تعالى-: ((فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا))[ النساء / 3 ] فقد أفادت الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد, فإذا خاف الرجل عدم العدل بين نسائه؛ كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة, ولزمه الاقتصار على واحدة, وهذا يتعلق بالعدل الواجب المستطاع كالنفقة والسُكنى والمبيت, أما ما لا يملكه الإنسان كالميل القلبي تجاه زوجة من زوجاته فلا يدخل في ذلك، وهو الذي عناه الله - عز وجل - بقوله: ((ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم))[ النساء / 129 ].
الشرط الثاني:
قال - تعالى-: ((ذلك أدنى ألا تعولوا))[ النساء / 3] قال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه 'عدة الصابرين': [أي لا تجوروا وتظلموا], وفسره الشافعي - رحمه الله -: [أي تكثر عيالكم], والقول الأول هو الأرجح، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر, وأحفظ للفرج, فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)
فإذا لم يستطع مؤونة الزواج لم يجز له, مع أنه زواجه الأول فمن باب أولى أن لا يجوز له الزواج بالثانية وعنده زوجة, والإقدام على الزواج بثانية مع علمه بعجزه عن الإنفاق عليها مع الأولى عمل يتسم بعدم المبالاة بأداء حقوق الغير, بل من أنواع الظلم, والظلم غير جائز.
وخلاصة القول: أن الإسلام أباح التعدد لمصلحة المرأة والرجل والمجتمع, بنظرة واقعية عامة وشاملة, ولانتشال المرأة من براثن الانحراف والغواية, أو من حبائل الكآبة والكبت والحرمان, وذلك في ظروف لا يستقيم معها سوى التعدد, وفي حالات لا تقبل إلا التعدد حلاً ومخرجاً, فضلاً عن شروط العدالة والإنصاف, والقدرة على الإنفاق التي فرضها الإسلام على الرجل في هذه الحالة, فإذا انتفى هذان الشرطان فلا تعدد, والمرأة التي يقع عليها الضرر من زواج الرجل بثانية فلها الفسخ وطلب الطلاق فـ(لا ضرر ولا ضرار).
إن تعدد الزوجات بمثابة الدواء والعلاج لأمراض كثيرة, وهو أمر مباح، ويُسن إذا حسنت النوايا، وروعيت فيه الضوابط الشرعية, وقد ينقلب حراماً إذا ما خاف الإنسان الجور وعدم العدل, أو جرى الاشتراط اللفظي أو العرفي بمنع التعدد عند العقد, وقد يكون حلاً ناجحاً لمشكلة الخيانة الزوجية التي نحن بصددها.
وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه خيرنا وخير الأسرة المسلمة.