الحمد لله الذي أرسل لنا خير أنبيائه و رسله و أنزل معه الكتاب و بيّنات من الهدى و الفرقان و الحمد لله ملئ السماوات و ملئ الأرض و ملئ ما بينهما و ملئ ما شاء ربنا من شيئ بعد. و الحمد لله حتى يرضى و الشكر له إذا رضي و نشهد أن لا إله إلاّ الله شهادةً نرجو بها النجاة يوم القيامة يوم لا ينفع مالٌ و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، و نصلّي و نسلّم على خير الورى الحبيب محمّد و على آله الطاهرين و صحابته الغرّ الميامين و التابعين بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.
لقد شهدت الحقبة الأخيرة من هذا العصر عودة محمودة إلى الدين، وأصبحت قضية الحجاب مثارة في كثير من البلدان بما فيها بلاد الكفر.. ولكن تلك العودة تفتقد في كثير من الأحيان إلى التأصيل الشرعي لكثير من القضايا والأحكام الشرعية، أما بالنسبة لقضيّة الحجاب فنحن لا نزال نرى كثيراً من المسلمات قد أَبَيْنَ اللحاق بقافلة الستر والعفاف، وأبين إلا مواكبة الانزلاق في متاهات التبرج والانحلال. ومن الغريب العجيب أن نرى بين هؤلاء وأولئك، فرقة لم تنكر وجوب الحجاب في حقها، ولم ترض بالتبرج لبساً لها، لكنها طوَّرت مفهوم الحجاب تطويراً عجيباً يواكب ــ في رأيها ــ حضارة العصر. فهو مزيج بين التبرج والحجاب.. وإن شئت فقل: هو حجاب جديد... وما هو في الحقيقة إلا تبرج جديد حيث أن الحجاب شكل واحد و التبرّج أشكال لذلك إنّي أتوجّه في رسالتي هذه إلى كل مسلمة سواء كانت محجّبة أم تنوي ارتداء الحجاب آملا من الله عزّ و جل أن تلقى في نفسها القبول.
[/size]
أختي المسلمة: [/size]
قبل أن تتحجّبي، إعلمي أن قرارك بارتداء الحجاب ليس مجرّد قراراً عاديا تأخذينه و يمكنك العودة عنه متي تشائين، بل هو قرارٌ مصيري يتوقّف عليه أسلوب حياة مختلف عن أسلوب حياتك قبل ارتداء الحجاب. و انطلاقاً من أهميّة هذا القرار، لا تكفي أن تكون رغبتك بارتداء الحجاب نابعة من عاطفة نحو دين الله عزّ و جل فقط بل لابد أن تكون مقرونة بالقتاعة و التيقّن و المعرفة الكاملة بمفهوم الحجاب و آدابه و سلوكياته. لذلك سأضع بين يديك مفهوم الحجاب كما قرّره الإسلام ليبقى الحجاب في مأمن عم عبث العابثين و تبديل المنهزمين.
وفي الشرع: الحجاب هو حجب المرأة المسلمة من غير القواعد من النساء عن أنظار الرجال غير المحارم لها.
أختي المسلمة:
قبل أن تتحجّبي: إعلمي أن للحجاب الشرعي شروطاً يجب أن تتوفّر لكي تتحقّق الغاية المنشودة من الحجاب ألا و هي صيانة المراة المسلمة و الحفاظ على عفافها و طهرها. و من شروط الحجاب الشرعي:
- أن يكون ساتراً لجميع البدن: وهو الذي عليه عامة أهل العلم في هذا الزمان خصوصاً، (فغاية ما هنالك أن العلماء اختلفوا في وجوب ستر الوجه أو عدم وجوب ستره وحينئذ فيكون كشفه على أعلى تقدير من المباح، والمباح إذا خيفت منه الفتنة والمفسدة فإنه يجب منعه، للقواعد الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة، وهي سد الذرائع ووسائل الشر.
- - أن لا يكون الحجاب في نفسه زينة: لأن الغاية من الحجاب هو تحصيل الستر والعفاف، فإذا كان الحجاب زينة مثيرة، فقد تعطلت بذلك الغاية منه. ولذلك نهى الله جل وعلا عن ذلك فقال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[ النور: من الآية 31 ] فإبداء زينة الحجاب من التبرج المنهي عنه شرعاً، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [ الأحزاب: 33 ]
- أن يكون واسعاً غير ضيق: لأن اللباس الضيق يناقض الستر المقصود من الحجاب، لذلك إذا لم يكن لباس المرأة المسلمة فضفاضاً فهو من التبرج المنهي عنه، إذ إن عورة المرأة تبدو موصوفة بارزة و هذا يوجب تعلّق النفوس الخبيثة و القلوب المريضة.
- أن يكون صفيقاً لا يشف: فثياب المرأة إذا لم يكن صفيقاً فإنه يجسد جسمها ومواضع الفتنة فيها، وكذلك إذا كان شفافاً فإنه يبرز وجهها ولون بشرتها ويخالف الستر الذي هو غاية الحجاب.وقد ورد وعيد شديد في النساء اللواتي يلبسن مثل هذه الألبسة التي هي أشبه بالعري إن لم تكن فتنتها أشد. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ((صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) [رواه مسلم].
- أن لا يكون مبخراً ولا مطيباً: وقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم خروج المرأة متعطرة. عن زينب الثقفية أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً )) [رواه مسلم والنسائي]. لأن المرأة إذا خرجت مستعطرة فإنها تحرك داعية الشهوة عند الرجال، لذلك ورد التحريم في ذلك قطعاً لدابر الفتنة وحفاظاً على طهارة المجتمع.
- أن لا يشبه لباس الرجال: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل)).
- - أن لا يشبه لباس الكافرات: وذلك بأن تفصل المرأة المسلمة لباسها تفصيلاً يتنافى مع حكم الشرع وقواعده في موضوع اللباس، ويدل على تفاهة في العقل وفقدان للحياء مما ظهر في هذا العصر وانتشر باسم الموديلات التي تتغير من سيئ إلى أسوأ، وكيف ترضى امرأة شرفها الله بالإسلام ورفع قدرها، أن تكون تابعة لمن يملي عليها صفة لباسها، ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.
- - أن لا يكون لباس شهرة : ولباس الشهرة هو الذي تلبسه المرأة لإلفات وجوه الناس إليها، سواء كان هذا الثوب رفيعا أو وضيعا، لأن علة التحريم هي تحقق الشهرة في الثياب، فقد روي عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارا )).
أختاه هذه الشروط الثمانية هي الشروط المعتمدة عند العلماء في الحجاب الذي لا يمكن أن يكون شرعيّا إلا إذا استوفى تلك الشروط.
قبل أن تتحجّبي: إعلمي يا أختاه أن الشيطان لن يدعك تأخذين قرارك بارتداء الحجاب بسهولة و ربما يصور لك شكلك أجمل من دون حجاب و أنّه لا مشكلة في تأجيل ارتدائك للحجاب، و لكن أختاه عليك أن تعلمي أنّه من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرً منه، و أن الله هو خالق الجمال و واهبه فلا يكون هناك أي نوع من الجمال في معصية خالق الجمال. و اعلمي أن هذه الدنيا فانية و أن الجمال الحقيقي هو جمال النفس الخالدة و ليس جمال الجسد الفاني.
يا خادم النفس كم تشقى بخدمته وتطلب الربح ممّا فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
و افخري أختي المسلمة بدينك و بالتزامك بشرع الله الذي يحقق لنا السعادة في الدنيا و الآخرة.
يا من هديت إلى الإسلام راضيــة *** وما ارتضيت سوى منهاج خير نبي
إن الحجاب الذي نبغيــه مكرمـة *** لكل حواء مـا عابت ولم تعـب
نريد منها احتشـاماً، عـفة، أدبـاً *** وهم يـريدون منـها قـلة الأدب
لا تحسبي أن الاسـترجـال مفخرة *** فهو الهزيمة أو لـون من الهــرب
صوني حياءك،صوني العرض،لا تهني *** وصـابري واصـبري لله واحتسبي
و أخيراً أتمنّى أختي المسلمة أن تقرئي رسالتي هذه بتمعّن و أسأل الله عزّ و جل أن يهدينا جميعا إلى ما فيه خيرٌ لنا في الدنيا و الخرة و أقول قولي هذا محتسباً عند الله تعالى، فإن أصبت فبتوفيق من الله و إن أخطأت فمن نفسي عسى الله أن يغفر لي و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا و نستغفر ربنا و نتوب إليه إنّه هو الغفور الرحيم. و نصلّي و نسلم على خير الأنام محمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام.
[size=16]كتبه الشاب علاء الصبّاغ
طالب جامعي
صيدا ـ لبنان